فصل: الإعراب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال محيي الدين الدرويش:

(6) سورة الأنعام:
مكيّة وآياتها خمس وستون ومائة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الأنعام: الآيات 1- 2]

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}.

.اللغة:

{جَعَلَ}: تكون بمعنى أنشأ وأحدث فتنصب مفعولا واحدا، وتكون بمعنى صيّر فتتعدى إلى مفعولين. وقال ابن جنّي في الخصائص: إن العرب قد تتسع فتوقع أحد الفعلين موقع الآخر إيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر. والفرق بين الجعل والخلق دقيق يلتقطه الخاطر المرهف، وهو أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين، كإنشاء شيء من شيء، أو تصيير شيء شيئا، أو نقله من مكان إلى مكان آخر.
{يمترون} يشكّون، والامتراء الشك، وفعله: مرى في الأمر وامترى وتمارى، وما فيه مرية أي شك، ومريت الناقة وأمريتها حلبتها فأمرت، ومن المجاز قرع مروته، قال أبو ذؤيب الهذلي:
حتى كأني للحوادث مروة ** بصفا المشقّر كل يوم تقرع

وماريته مماراة: جادلته ولاججته، وتماروا ومعناه المحالبة.
كأنّ كل واحد يحلب ما عند صاحبه.

.الإعراب:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} كلام مستأنف للحث على التفكير والتأمل، والعدول عن الجدل والمماراة.
والحمد مبتدأ، وللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبره، والذي اسم موصول في محل جر صفة، وجملة خلق السموات والأرض صلة الموصول والسموات مفعول به وجملة وجعل الظلمات والنور عطف على الجملة الأولى {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي والعطف على قوله الحمد اللّه وما بعده على معنى أن اللّه خليق بالحمد على ما خلق لأنه خلق ما خلق نعمة للبشر ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته. والذين مبتدأ وكفروا فعل وفاعل والجملة صلة الموصول وبربهم متعلقان بكفروا فيكون يعدلون بمعنى يميلون عنه من العدول ويجوز أن يتعلقا بيعدلون وقدم الجار والمجرور للفاصلة ويكون يعدلون من العدل وهو التسوية بين الشيئين، أي: ثم الذين كفروا يسوّون بربهم غيره من المخلوقين فيكون المفعول محذوفا {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} كلام مستأنف مسوق لإقامة الحجة على امترائهم وهو مبتدأ والذي خبر وجملة خلقكم لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول ومن طين جار ومجرور متعلقان بخلقكم، ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وقضى أجلا فعل ماض ومفعول به، والجملة عطف على جملة خلقكم، وأجل الواو استئنافية، وأجل مبتدأ، ساغ الابتداء به مع أنه نكرة لأنه وصف بقوله: مسمى، وعنده ظرف مكان متعلق بمحذوف خبره، ثم حرف عطف واستبعاد لتراخي الرتبتين، وأنتم مبتدأ وجملة تمترون خبر.

.البلاغة:

في الآيتين فنون متعددة من البلاغة نوجزها فيما يلي:
1- ثبوت الديمومة التي يستحقها سبحانه، وهي ديمومة الحمد له بسبب كونه منعما، والكلام خبري أريد به الأمر.
2- الطباق بين السموات والأرض، والظلمات والنور، وإذا تعدد الطباق سمّي مقابلة.
3- المخالفة في الإفراد والجمع، فقد أفرد النور وجمع الظلمات، لأن الظلمات من الأجرام المتكاثفة، ولها أسباب كثيرة، ولأن النور من جنس متحد، وهو النار.
4- الإظهار في موضع الإضمار: فقد أظهر الضمير فقال: ربهم مع أن ذكر اللّه تقدم، تفخيما لجلاله. وهي سنة من سنن العرب في كلامهم، يعيدون الاسم ظاهرا وإن تقدّم، دون تعبير عنه بالضمير، للدلالة على كمال العناية. وقد تقدم هذا البحث والاستشهاد عليه بمطلع سينية البحتري.
5- التنكير: فقد ابتدأ بالنكرة، وهو أجل، وكان الظاهر أن يؤخر المبتدأ، تقول: عندي كتاب، ولا تقول كتاب عندي.
ولكن الذي أوجب تقديم النكرة تعظيم شأن الأجل المضروب عنده سبحانه، والمراد به الساعة وتهويل أمرها.
6- حذف المفعول به لظهوره، أي: يعدلون به، أي: يسوون بربهم غيره مما لا يقدر على شيء مما يقدر عليه. وهذه نهاية الحمق، وغاية الرّقاعة.
7- العطف بثمّ لاستبعاد صدور الشك منهم مع وجود ما يقتضي عدمه.

.[سورة الأنعام: الآيات 3- 5]

{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5)}.

.الإعراب:

{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ}.
الكلام مستأنف مسوق للتنبيه على صفات الألوهية التي لا يستحقها غيره. وهو ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ أو هو ضمير الشأن، واللّه خبر، وفي السموات جار ومجرور متعلقان بمعنى اسم اللّه، أي: المعبود فيها وفي الأرض جار ومجرور متعلقان أيضا بمعنى اسم اللّه. وسيرد في باب الفوائد المزيد من تعليق هذا الجار والمجرور.
وجملة يعلم خبر ثان أو حالية، وسركم مفعول به، وجهركم عطف على سركم، وجملة ويعلم عطف على جملة يعلم، وما اسم موصول مفعول به، وجملة تكسبون صلة لا محل لها {وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ} الواو استئنافية، والكلام مستأنف لبيان إصرار هم على الكفر، والإعراض عن الآيات الباهرة الدّالة على التوحيد. وما نافية، وتأتيهم فعل مضارع ومفعول به مقدم، ومن حرف جر زائد، وآية مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل تأتيهم، ومن آيات ربهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لآية، وإلا أداة حصر، وكان واسمها، وعنها جار ومجرور متعلقان بالخبر {معرضين} وجملة كانوا حالية {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ} الفاء الفصيحة، وقد حرف تحقيق، وكذبوا فعل وفاعل، وبالحق جار ومجرور متعلقان بكذبوا، أي: إذا كانوا معرضين عنها فقد كذبوا بما هو أعظم منها، وهو الحق. والجملة على كل حال لا محل لها من الاعراب. ولما حينية أو رابطة، وعلى الأول فهي متعلقة، وجملة جاءهم في محل جرّ بالإضافة، وعلى الثاني لا محل لها {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} الفاء عاطفة، وسوف حرف استقبال، ويأتيهم فعل مضارع ومفعول به مقدم، وأنباء فاعل مؤخر، وما اسم موصول مضاف اليه، وجملة كانوا صلة، والواو اسم كان، وجملة يستهزئون خبرها، وبه جار ومجرور متعلقان بيستهزئون.

.الفوائد:

ما اخترناه في تعليق قوله تعالى: {في السموات} هو وجه من اثني عشر وجها أوردها المفسرون والمعربون في إعراب هذا التعبير، وقد اختاره الزّجاج والزمخشريّ وابن عطية وأبو السعود، كأنه قيل: وهو المعبود فيها، وقال ابن عطية: هو عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا. لفصاحة اللفظ، وجزالة المعنى. وفيما يلي بعض الوجوه المستساغة.
1- في السموات: متعلقان بمحذوف صفة للّه تعالى، حذفت لفهم المعنى، والتقدير: وهو اللّه المعبود أو المدبر.
2- الكلام تمّ عند قوله: {وهو اللّه}، والجار والمجرور متعلقان بمفعول يعلم وهو: سركم وجهركم فيهما.
3- متعلقان بيعلم، وجملة يعلم على هذا الوجه مستأنفة.
ونتجاوز بقية الأوجه لأنها لم تستقم معنا.

.[سورة الأنعام: آية 6]

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْرارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)}.

.اللغة:

(مكّن له في الأرض) جعل له مكانا ومكنته أثبته.
(المدرار): المغزار، ومفعال صيغة مبالغة تدل على الكثرة، كمذكار للمرأة التي كثرت ولادتها للذكور، ومئناث للتي تلد الإناث.
{قَرْنًا} القرن اسم جمع، كقوم ورهط. وقد اختلف الناس في القرن حالة إطلاقه على الزمان، فجمهور أهل اللغة على أنه مائة سنة، ويطلق على الجماعة من الناس أهل زمان واحد، كما في الآية، ويجمع على قرون.

.الإعراب:

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} الكلام مستأنف مسوق للشروع في توبيخ الذين لا يؤمنون، لأنهم غمطوا نعمة ربهم، وكذبوا بالحق لما جاءهم. والهمزة للاستفهام التقريري والتوبيخي في وقت واحد، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويروا فعل مضارع مجزوم بلم، والرؤية بصرية أو علمية، وكم خبرية أو استفهامية في محل نصب مفعول مقدم لأهلكنا، وجملة أهلكنا سدت مسد مفعول أو مفعولي الرؤية، ومن قبلهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، ومن الجارة ومجرورها في موضع نصب تميز كم. {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} الجملة في محل جر صفة لقرن، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمكناهم، ومكناهم فعل وفاعل ومفعول به، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمكناهم، وما يجوز أن تكون نكرة تامة بمعنى شيء في محل نصب مفعول مطلق، أي: شيئا من التمكين لم نمكنه لكم، فتكون الجملة بعدها في محل نصب صفة، ويجوز أن تكون مصدرية ظرفية أي: مدة تمكنهم أطول من مدة تمكنكم، وتكون الجملة صفة أيضا. وقيل: ما اسم موصول بمعنى الذي، ويكون التقدير: التمكين الذي لم نمكن لكم، فحذف المنعوت وأقيم النعت مقامه، والجملة بعده صلة، والضمير العائد على ما محذوف، أي: الذي لم نمكنه لكم، والأول أسهلها. ولم حرف نفي وقلب وجزم، ونكن فعل مضارع مجزوم بلم، ولكم متعلقان بنمكن {وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْرارًا} الواو عاطفة، وأرسلنا السماء فعل وفاعل ومفعول به، وعليهم جار ومجرور متعلقان بأرسلنا، ومدرارا حال {وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} عطف أيضا على ما تقدم، وجملة تجري من تحتهم في محل نصب مفعول به ثان لجعلنا، فأهلكناهم الفاء عاطفة، وأهلكناهم فعل وفاعل ومفعول به، وبذنوبهم جار ومجرور متعلقان بأهلكناهم {وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} عطف أيضا، وأنشأنا فعل وفاعل، ومن بعدهم جار ومجرور متعلقان بأنشأنا، وقرنا مفعول به، وآخرين صفة.

.البلاغة:

1- الالتفات في قوله: {ما لم نمكن لكم}، والسياق يقتضي: ما لم نمكن لهم، لتخصيص المرسل إليهم الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم بالمواجهة، فضلا عن تطرية نشاط السامع.
2- المجاز المرسل: في قوله: {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا}، والعلاقة المحلية، يريد المطر الكثير، عبر عنه بالسماء لأنه ينزل منها، وقد رمق هذا المجاز الشاعر بقوله:
إذا نزل السماء بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا

.[سورة الأنعام: الآيات 7- 8]

{وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقالُوا لولا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8)}.

.اللغة:

{قِرْطاسٍ} القرطاس: ما يكتب فيه، وكسر القاف فيه أشهر من ضمها. والقرطس: وزن جعفر: لغة فيه، وفي القاموس: مثلث القاف، وكجعفر ودرهم: الكاغد، والكاغد معروف، بفتح الغين والدال المهملة، وربما قيل بالذال المعجمة وهو معرّب وهو المراد هنا، وله معان أخرى منها الغرض، وبرد مصريّ، والجارية البيضاء المديدة القامة، والناقة الفتية، والجمع قراطيس.

.الإعراب:

{وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} كلام مستأنف مسوق لبيان فرط تعنتهم وتماديهم في المكابرة واللجاج.
ولو شرطية ونزلنا فعل وفاعل، وعليك جار ومجرور متعلقان بنزلنا، وكتابا مفعول به، وفي قرطاس جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة ل {كتابا}، فلمسوه الفاء عاطفة، ولمسوه فعل وفاعل ومفعول به، عطف على نزلنا، وبأيديهم جار ومجرور متعلقان بلمسوه {لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} اللام واقعة في جواب لو، وقال الذين فعل وفاعل، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وجملة كفروا لا محل لها لأنها صلة الموصول، وإن نافية، وهذا مبتدأ، وإلا أداة حصر، وسحر خبر هذا، ومبين صفة، وجملة النفي مقول القول {وَقالُوا لولا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} الجملة مستأنفة مسوقة لتأكيد لجاجتهم وتماديهم في التعنت والمكابرة، وقالوا فعل وفاعل، ولولا حرف تحضيض لا تحتاج إلى جواب، وأنزل فعل ماض مبني للمجهول، وعليه جار ومجرور متعلقان بأنزل، وملك نائب فاعل، وجملة التحضيض في محل نصب مقول القول {وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ} الجملة مستأنفة مسوقة للردّ عليهم بجوابين على تعنتهم ومكابرتهم. ولو شرطية، وأنزلنا ملكا فعل وفاعل ومفعول، واللام واقعة في جواب لو، وجملة قضي الأمر لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي لبعد ما بين الأمرين:
قضاء الأمر وعدم الإنظار، أي: إن بعد قضاء الأمر شدة، أين منها منها ما رأوه! والمفاجأة بالشدة أصعب من الشدة نفسها. ولا نافية، وينظرون فعل مضارع مرفوع مبني للمجهول معطوف على قضى الأمر، والواو نائب فاعل.

.البلاغة:

الإطناب في قوله: {فلمسوه بأيديهم}، وإنما ذكر الأيدي واللمس لا يكون إلا بها حتى يجتمع لهم إدراك الحاسّتين: حاسة البصر وحاسة اللمس.

.[سورة الأنعام: الآيات 9- 11]

{وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}.

.اللغة:

{يَلْبِسُونَ}: يقال لبس عليه الأمر يلبسه، بضم الباء في المضارع، لبسا: جعله يلتبس في أمره، وشبهته وجعله مشكلا عليه، وأصله الستر بالثوب.

.الإعراب:

{وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة للرد عليهم بالجواب الثاني، ولو شرطية، وجعلناه فعل وفاعل ومفعول به، وملكا مفعول به ثان، والضمير يعود على النذير الذي اقترحوه، والمعنى: لو جعلنا ذلك النذير ملكا لمثلنا ذلك الملك رجلا لعدم تمكّن الآحاد من رؤية الملك بزيه وهيكله، واللام رابطة لجواب لو، وجملة جعلناه رجلا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وللبسنا عطف على {لجعلنا} وعليهم متعلقان بلبسنا، وما يجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي، أي: لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم أو على غيرهم، وتكون مفعولا به ويجوز أن تكون مصدرية، أي: وللبسنا عليهم لبسا مثل ما يلبسون على غيرهم، فتكون منسبكة بمصدر مفعول مطلق، وجملة يلبسون لا محل لها على الحالين {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} كلام مستأنف مسوق لتسلية النبي صلى اللّه عليه وسلم، واللام جواب للقسم المحذوف، وقد حرف تحقيق، واستهزئ فعل ماض مبني للمجهول، وبرسل جار ومجرور متعلقان باستهزئ وقد نابا عن نائب الفاعل، ومن قبلك جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} الفاء عاطفة، وحاق فعل ماض معطوف على استهزئ، وبالذين جار ومجرور متعلقان بحاق، وجملة سخروا لا محل لها لأنها صلة الموصول، ومنهم جار ومجرور متعلقان بسخروا، وما فاعل حاق، وهي إما موصولة وإما مصدرية، وكان واسمها، وجملة يستهزئون خبرها، وبه جار ومجرور متعلقان بيستهزئون، والضمير في به يعود على الرسول، والمعنى أنه حاق بهم عاقبة استهزائهم بالرسول المنتظم في سلك الرسل، أو على كلمة ما المصدرية أو الموصولية {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا} كلام مستأنف مسوق للحض على التفكير والسير في الأرض للتأمل في مغاب الأمم السابقة ومصائرها. وجملة سيروا في محل نصب مقول القول، وأتى بثم للإشارة إلى البعد الكامن في السير المؤدي إلى الاستبصار والتأمل، ولأن وجوب السير لم يكن إلا لبلوغ هذه المرتبة السامية التي هي قصارى ما تطمع إليه الهمم العالية، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بسيروا، وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي، وانظروا فعل أمر وفاعل {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} الجملة في محل نصب مفعول انظروا، وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر مقدم لكان، وعاقبة اسمها، ولم تؤنث كان لأن العاقبة مؤنث مجازي، وقد علقت النظر عن العمل لفظا، والمكذبين مضاف إليه.

.البلاغة:

1- المجاز المرسل في قوله: {عاقبة المكذبين}، والعلاقة هي المصير والمآل الذي ينتهي اليه مصير المكذبين ومآلهم.
2- في قوله: {ولقد استهزئ} إلى قوله: {ما كانوا به يستهزئون} فن يسمى رد الاعجاز على الصدور، وهو عبارة عن كل كلام بين صدره وعجزه رابطة لفظية غالبا، أو معنوية نادرا، ما تحصل بها الملاءمة والتلاحم بين قسمي كل كلام، وهو ثلاثة أقسام:
1- ما وافق آخر كلمة في الكلام آخر كلمة في صدره أو كانت مجانسة لها، كقوله تعالى في سورة النساء: {أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى باللّه شهيدا}.
2- ما وافق آخر كلمة من الكلام أول كلمة منه، كقوله تعالى في سورة آل عمران: {وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهّاب}.
3- ما وافق آخر كلمة من الكلام بعض كلمات صدره، حيث كانت كالآية التي نحن بصددها. وهذه الروابط كلها لفظية، وقد تكون معنوية كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم}.
نماذج شعرية:
ومن أمثلة هذا الفن في الشعر قول البحتري:
ضرائب أبدعتها في السماح ** فلسنا نرى لك فيها ضريبا

وقول أبي تمام:
ولم يحفظ مضاع المجد شيء ** من الأشياء كالمال المضاع

وأبيات الحماسة المشهورة الرائعة:
تمتع من شميم عرار نجد ** فما بعد العشية من عرار

شهور ينقضين وما شعرنا ** بأنصاف لهنّ ولا سرار

وتظرّف الثعالبي فجمع بين هذا الفن وفن التجنيس، فقال- ويكاد يكون طريفا لولا مسحة التكلف:
وإذا البلابل أفصحت بلغاتها ** فانف البلابل باحتساء بلابل

فالبلابل الأولى جمع بلبل، وهو طائر غرد معروف، والثانية:
جمع بلبال، وهو الحزن، والثالثة: جمع بلبلة، بالضم، وهي إبريق الخمر. وتظرّف آخر فجمع بين هذا الفنّ وفنّ التجنيس وفن التورية فقال:
لا كان إنسان تيمّم قاصدا ** صيدا لها فاصطاده إنسانها

فالإنسان الأول هو الشخص المعروف، والإنسان الثاني بؤبؤ العين. وفيما يلي طائفة من أمثلة هذا الفنّ موزّعة على أقسامه الثلاثة المتقدمة. قال أبو العلاء:
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ** والعذب يهجر للإفراط في الخصر

والخصر بفتحتين: البرودة.
وقال أبو تمام:
ومن يك بالبيض الكواعب مغرما ** فما زلت بالبيض القواضب مغريا

وما أجمل قول بعضهم:
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ** أطنين أجنحة الذباب يضير؟

وقال أبو تمام راثيا:
ثوى بالثّرى من كان يحيا به الثّرى ** ويغمر حرف الدهر نائله الغمر

وقد كانت البيض القواضب قبله ** بواتر فهي الآن من بعده بتر